سم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين وبعد :
كثيرا ما كنت اسمع بهذا الاسم فيشدني إليه رغبة جامحة لان أتعرف عليه وعلى دوره في الفلسفة الصوفية غير أن ما كان يعكر صفو هذا الشوق مقالات وحكايات تحط من قدره وما كان المعيب عليه يوضح أسباب ذلك
ونظرا لعادتي أن أتحقق بنفسي عن كل مبهم عزمت أن أتوسع في معرفته ولا سبيل لذلك إلا أن اقتني بعض كتبه لأكون على مقربة حقيقية منه
وكتابه المعرف الإنسان الكامل كان هدفي الأساسي في البحث فوجدته في احدي مكتبات دمشق وحملته وانأ اشعر إنني احمل وزرا بين جنبي من شدة التشنيع عليه وفي هذه المقالة القصيرة أجدني ملزما أن انصفه ولوانني لست بالقدر الذي يؤهلني لرفع الحيف عن قامة كبيرة في عالم التصوف كمثل الشيخ عبد الكريم الجيلي
اسمه عبد الكريم بن إبراهيم بن عبد الكريم بن خليفة بن احمد وكنيته قطب الدين ولقبه الجيلي نسبة إلى جيلان وهي منطقة في بلاد فارس ويعود بنسبه للقطب الكبير عبد القادر الجيلاني
ولد في أول المحرم سنة 767 هجرية في إحدى القرى التابعة لبغداد وهناك كانت نشأته في صباه وبداية شبابه ولما بلغ العشرين من عمره حبب إليه الترحال فسافر إلى بلده جيلان ومنها إلى الهند وهناك بدا بالتعرف على المعتقدات المختلفة غير انه كان شديد الشوق إلى العودة إلى مكان انتشار الإسلام فوصل إلى اليمن وتعرف على الشيخ الجبرتي الذي تتلمذ على يديه في التصوف
وعند وصوله إلى مكة المكرمة اجتمع حوله كبار الصوفية هناك وتداول معهم باسم الله الأعظم كما اجتمع مع كبار شيوخ الأزهر عند ذهابه إلى مصر
وفي طرق العودة مر بغزة ولكن شوقه الجارف إلى شيخه الجبرتي قد ألزمه بالعودة السريعة إلى زبيد والتي له فيها ذكريات لم ينساها حتى مماته
إما عن فلسفة الجيلي الصوفية فهو يؤكد أن فلسفته مبنية على الكتاب والسنة وان من فهم غير ذلك فليتريث حتى يفتح الله عليه
إذن فالعبادة عند الجيلي هي كالعبادة عند أي مسلم غير انه يضفي عليها شيء من الفهم الخاص وهذا ما يدعى عند الصوفية الذوق في العبادة فالصلاة حضور مع الله في كل كلمة وفهم راقي في كل حركة وفي العبادة عند الصوفية لذة لا تعادلها ولذا يقولون لو عرف الملوك ما نجده في عبادتنا لجالدونا عليها بالسيوف فهو يقول عن الصلاة :
أصلي إذا صلى الأنام وإنما صلاتي باني لاعتزازك خاضع
فالعبادة عند الجيلي ذوق رفيع وفهم بديع يرقى به إلى ملكوت السموات والأرض وعندها تتنزل الواردات الالهيه وهذا نتاج قول المصلي في فاتحة الكتاب اهدنا الصراط المستقيم
وقد توسع فهمه إلى أن اعتبر أي ديانة تعترف بوجود خالق لهذا الكون فانها على شيء الا انها انحرفت وهى تبحث عن حقيقة الحقائق فالبعض قد وصل والبعض قد ضل الطريق
وفي أينما حقا تولوا وجوهكم فثمة وجه الله هل من يطالع
ولا تنحصر بالاسم فالاسم دارس ولا تفتقر للعين فالعين تابع
أما عن شعر الجيلي فقد أبدع ولامست مشاعره مشاعرنا وعشنا معه تجلياته وورداته حتى وكأنك تعيش معه قائما وراكعا وساجدا وإذا ما ذرفت دموعه تواسيه بل تشاركه الوجد والارتقاء إلى أعلى درجات الارتقاء
والجيلي مرهف الحس متمكنا في لغته وشاعرا كما عادة المتصوفة سواء من قبله أو بعده وقد اتخذ من الافتقار إلى الله وسيلة للتقرب فقال :
جعلت افتقاري في الغرام وسيلتي
ويا ضعف مشغوف له الفقر شافع
وجئت إليها راغبا لا مثوبة
ولكن لها مني إليها أسارع
سكنت الفلا مستوحشا من انيسها
ومستأنسا بالوحش وهى رواتع
أنوح فيسجيني حمام سواجع
وابكي فيحكيني غمام هوامع
وبي من مريض الجفن سقم مبرح
ولي من عصي القلب دمع مطاوع
وقد قيدت بالنجم أهداب مقلتي
كما أطلقت عن قيدهن المدامع
وهكذا نفهم ونتفهم مشاعر الجيلي الفيلسوف الصوفي فيقول :
سقاني الهوى كاس الغرام ولم يكن
على ساحة الوجدان بالكرم مانع
فقاطعت ندماني وواصلت لوعتي
وهاجرت أوطاني فبانت مرابع
تركت لها الأسباب شغلا بحبها
ووجدا بنار قد حوتها الاضالع
وإذا ما شفت مشاعرنا وتصورنا الجيلي فانا نلحظ الدموع في عينيه شوقا ومحبة لخالقه وفي قلبه لوعة نكاد نحسها ونلمسها وعندنا رغبة جامحة لمشاركته وعدم الاكتفاء بمواساته
وقصيدة النادرات التي كتبها الجيلي من أشهر القصائد التي كتبت في السير والسلوك وتعتبر ثاني اكبر قصيدة في الشعر العربي فقد بلغت ابياتها 540 بيتا ولم تتجاوزها إلا قصيدة ابن الفارض المسماة نظم السلوك حيث بلغت 667 بيتا ويقول فيها :
فؤاد به شمس المحبة طالع وليس لنجم العذل فيه مواقع
صحا الناس من سكر الغرام وما صحا وافرق كل وهو في الخان جامع
صليت بنار أضرمتها ثلاثة غرام وشوق والديار الشواسع
فلو قيس ما قاسيته بجهنم من الوجد كانت بعض ما انا قارع
وقد كنت جماحا إلى كل هيئة فخضت بحارا دونهن فجائع
وكل الأماني نلتها وهي وان علت بها بعد نيل القصد ما انا قانع
إلى أن أتتني من قديم عناية أياد لها مذ كنت عندي صنائع
وهب نسيم الجود من أيمن الحمى وصب سحاب بالتعطف هامع
أما عن فلسفة الجيلي في الوجود فإننا نورد مقطعا مما قاله واعتقد به :
(اعلم حفظك الله أن الإنسان الكامل هو القطب الذي تدور عليه أفلاك الوجود من أوله إلى آخره وهو واحد منذ كان الوجود إلى ابد الآبدين ) وهو بذلك يعني أن الإنسان الكامل هو النبي محمد صلى الله عليه وسلم ووراثه من بعده
نعم لقد عشنا لحظات ممتعة مع فيلسوف الصوفية والعابد المتمكن وقد لمسنا مشاعره الدفاقة وكلماته الهادفة إلى ذوق سليم وارتقاء بأدبيات التصوف ولكن: كل ابن أنثى وان طالت سلامته يوما على آلة حدباء محمول
توفي شيخنا الجليل عام 826 هجريه ودفن في البلد الذي قضى فيه جل عمره وهى بلدة زبيد في اليمن رحمه الله واسكنه فسيح جناته
وهكذا تبدلت مشاعري عندما شعرت انني احمل بجيبي وزرا إلى أنني احمل كنزا اهديه إلى أحبابي في منتديات الأنوار الشاذليه
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كثيرا ما كنت اسمع بهذا الاسم فيشدني إليه رغبة جامحة لان أتعرف عليه وعلى دوره في الفلسفة الصوفية غير أن ما كان يعكر صفو هذا الشوق مقالات وحكايات تحط من قدره وما كان المعيب عليه يوضح أسباب ذلك
ونظرا لعادتي أن أتحقق بنفسي عن كل مبهم عزمت أن أتوسع في معرفته ولا سبيل لذلك إلا أن اقتني بعض كتبه لأكون على مقربة حقيقية منه
وكتابه المعرف الإنسان الكامل كان هدفي الأساسي في البحث فوجدته في احدي مكتبات دمشق وحملته وانأ اشعر إنني احمل وزرا بين جنبي من شدة التشنيع عليه وفي هذه المقالة القصيرة أجدني ملزما أن انصفه ولوانني لست بالقدر الذي يؤهلني لرفع الحيف عن قامة كبيرة في عالم التصوف كمثل الشيخ عبد الكريم الجيلي
اسمه عبد الكريم بن إبراهيم بن عبد الكريم بن خليفة بن احمد وكنيته قطب الدين ولقبه الجيلي نسبة إلى جيلان وهي منطقة في بلاد فارس ويعود بنسبه للقطب الكبير عبد القادر الجيلاني
ولد في أول المحرم سنة 767 هجرية في إحدى القرى التابعة لبغداد وهناك كانت نشأته في صباه وبداية شبابه ولما بلغ العشرين من عمره حبب إليه الترحال فسافر إلى بلده جيلان ومنها إلى الهند وهناك بدا بالتعرف على المعتقدات المختلفة غير انه كان شديد الشوق إلى العودة إلى مكان انتشار الإسلام فوصل إلى اليمن وتعرف على الشيخ الجبرتي الذي تتلمذ على يديه في التصوف
وعند وصوله إلى مكة المكرمة اجتمع حوله كبار الصوفية هناك وتداول معهم باسم الله الأعظم كما اجتمع مع كبار شيوخ الأزهر عند ذهابه إلى مصر
وفي طرق العودة مر بغزة ولكن شوقه الجارف إلى شيخه الجبرتي قد ألزمه بالعودة السريعة إلى زبيد والتي له فيها ذكريات لم ينساها حتى مماته
إما عن فلسفة الجيلي الصوفية فهو يؤكد أن فلسفته مبنية على الكتاب والسنة وان من فهم غير ذلك فليتريث حتى يفتح الله عليه
إذن فالعبادة عند الجيلي هي كالعبادة عند أي مسلم غير انه يضفي عليها شيء من الفهم الخاص وهذا ما يدعى عند الصوفية الذوق في العبادة فالصلاة حضور مع الله في كل كلمة وفهم راقي في كل حركة وفي العبادة عند الصوفية لذة لا تعادلها ولذا يقولون لو عرف الملوك ما نجده في عبادتنا لجالدونا عليها بالسيوف فهو يقول عن الصلاة :
أصلي إذا صلى الأنام وإنما صلاتي باني لاعتزازك خاضع
فالعبادة عند الجيلي ذوق رفيع وفهم بديع يرقى به إلى ملكوت السموات والأرض وعندها تتنزل الواردات الالهيه وهذا نتاج قول المصلي في فاتحة الكتاب اهدنا الصراط المستقيم
وقد توسع فهمه إلى أن اعتبر أي ديانة تعترف بوجود خالق لهذا الكون فانها على شيء الا انها انحرفت وهى تبحث عن حقيقة الحقائق فالبعض قد وصل والبعض قد ضل الطريق
وفي أينما حقا تولوا وجوهكم فثمة وجه الله هل من يطالع
ولا تنحصر بالاسم فالاسم دارس ولا تفتقر للعين فالعين تابع
أما عن شعر الجيلي فقد أبدع ولامست مشاعره مشاعرنا وعشنا معه تجلياته وورداته حتى وكأنك تعيش معه قائما وراكعا وساجدا وإذا ما ذرفت دموعه تواسيه بل تشاركه الوجد والارتقاء إلى أعلى درجات الارتقاء
والجيلي مرهف الحس متمكنا في لغته وشاعرا كما عادة المتصوفة سواء من قبله أو بعده وقد اتخذ من الافتقار إلى الله وسيلة للتقرب فقال :
جعلت افتقاري في الغرام وسيلتي
ويا ضعف مشغوف له الفقر شافع
وجئت إليها راغبا لا مثوبة
ولكن لها مني إليها أسارع
سكنت الفلا مستوحشا من انيسها
ومستأنسا بالوحش وهى رواتع
أنوح فيسجيني حمام سواجع
وابكي فيحكيني غمام هوامع
وبي من مريض الجفن سقم مبرح
ولي من عصي القلب دمع مطاوع
وقد قيدت بالنجم أهداب مقلتي
كما أطلقت عن قيدهن المدامع
وهكذا نفهم ونتفهم مشاعر الجيلي الفيلسوف الصوفي فيقول :
سقاني الهوى كاس الغرام ولم يكن
على ساحة الوجدان بالكرم مانع
فقاطعت ندماني وواصلت لوعتي
وهاجرت أوطاني فبانت مرابع
تركت لها الأسباب شغلا بحبها
ووجدا بنار قد حوتها الاضالع
وإذا ما شفت مشاعرنا وتصورنا الجيلي فانا نلحظ الدموع في عينيه شوقا ومحبة لخالقه وفي قلبه لوعة نكاد نحسها ونلمسها وعندنا رغبة جامحة لمشاركته وعدم الاكتفاء بمواساته
وقصيدة النادرات التي كتبها الجيلي من أشهر القصائد التي كتبت في السير والسلوك وتعتبر ثاني اكبر قصيدة في الشعر العربي فقد بلغت ابياتها 540 بيتا ولم تتجاوزها إلا قصيدة ابن الفارض المسماة نظم السلوك حيث بلغت 667 بيتا ويقول فيها :
فؤاد به شمس المحبة طالع وليس لنجم العذل فيه مواقع
صحا الناس من سكر الغرام وما صحا وافرق كل وهو في الخان جامع
صليت بنار أضرمتها ثلاثة غرام وشوق والديار الشواسع
فلو قيس ما قاسيته بجهنم من الوجد كانت بعض ما انا قارع
وقد كنت جماحا إلى كل هيئة فخضت بحارا دونهن فجائع
وكل الأماني نلتها وهي وان علت بها بعد نيل القصد ما انا قانع
إلى أن أتتني من قديم عناية أياد لها مذ كنت عندي صنائع
وهب نسيم الجود من أيمن الحمى وصب سحاب بالتعطف هامع
أما عن فلسفة الجيلي في الوجود فإننا نورد مقطعا مما قاله واعتقد به :
(اعلم حفظك الله أن الإنسان الكامل هو القطب الذي تدور عليه أفلاك الوجود من أوله إلى آخره وهو واحد منذ كان الوجود إلى ابد الآبدين ) وهو بذلك يعني أن الإنسان الكامل هو النبي محمد صلى الله عليه وسلم ووراثه من بعده
نعم لقد عشنا لحظات ممتعة مع فيلسوف الصوفية والعابد المتمكن وقد لمسنا مشاعره الدفاقة وكلماته الهادفة إلى ذوق سليم وارتقاء بأدبيات التصوف ولكن: كل ابن أنثى وان طالت سلامته يوما على آلة حدباء محمول
توفي شيخنا الجليل عام 826 هجريه ودفن في البلد الذي قضى فيه جل عمره وهى بلدة زبيد في اليمن رحمه الله واسكنه فسيح جناته
وهكذا تبدلت مشاعري عندما شعرت انني احمل بجيبي وزرا إلى أنني احمل كنزا اهديه إلى أحبابي في منتديات الأنوار الشاذليه
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته